كلنا كالقمرِ.. له جانبٌ مُظلم

 



مَهْمَا اخْتَلَف الْبَشَرُ فِيمَا بَيْنَهُمْ فَلَا يُوجَدُ فردٌ لَا تتواجدُ فِيهِ كُلُّ الْجَوَانِبِ الْبَشَرِيَّةِ مِنْ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ. بِدَايَةَ مَنْ حُبِّ الْخَيْرِ لِكُلِّ النَّاسِ إلَى الرَّغْبَةِ فِي تَدْمِير الْبَشَرِيَّة أَجْمَعِين. لَكِنَّهَا فَقَط اخْتِلَاف النَّسَب. فَالْبَعْض يَزِيدُ فِيهِ السَّوَادُ عَنْ الْبَيَاضِ. وَالْبَعْضُ الْآخَرُ يَلْمَع فِيهِ الْبَيَاضُ بِشَكْل يطغى عَلَى السَّوَادِ.

لَيْسَت الْمُشْكِلَة فِي ذَلِكَ. فَتِلْك فطرةٌ طبيعيةٌ بَثَّهَا اللَّهُ فِينا. لَكِن الْفِتَن كُلّ الْفِتَن أن ننخدعَ بِمَا يَمدحنا به الناسُ أَوْ بِمَا نُرِيدُ أَنْ نُظهِرَ لَهُمْ وَلَيْسَ بمَا نَحْنُ عَلَيْهِ حَقِيقَةً

فَالْبَعْض يَرَى أَنَّ بَيَاضَ كَيْنُونَتِه قَد طَغَى عَلَى سَوَادِ سَرِيرَتِه حَتَّى خُيّل لَهُ أَنَّهُ نجمٌ ساطعٌ في السَّمَاء. والبعض - مِمَّن رَزَقَهُمُ اللَّهُ الْبَصِيرَة - يَرَوْنَ سَوَاد طبيعتهم الْبَشَرِيَّة فِي كُلِّ عَمَلٍ لَهُمْ، حتى لوْ كَانَتْ نِيَّتُهُم الأسَاسِيَّة خَالِصةً لِوَجْه الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ

فِتْنَةُ النَّوْعِ الْأَوَّلِ تَتَزَايَد بِوُجُود عَوَامِلَ أُخْرَى مِثْل إِعْجاب النَّاسِ وتملقهم وَكَثْرَة مديحهم. وَاَللّهِ إنّهَا لمن أَكْبَر وأخطر مَا قَدْ يُوَاجِهُ الْإِنْسَانَ. النَّاسِ لَا يَشْعُرُونَ أَبَدًا بِخَطَر الْمَديح الزَّائِدِ أَوْ التَّمَلُّق. صِدْقًا كَانَ أَوْ بِغَيْرِ صدقٍ. فَإِنَّهُ مُضِرٌّ طَالَمَا زَادَ عَنْ الْحَدِّ.

أَمَّا مَنْ يَرَى شَوَائِبَ نَفْسِهِ فِي أَعْمَالِهِ فَتِلْكَ نِعْمَةٌ مِنَ اللَّهِ طَالَمَا لَمْ تَزِدْ عَنْ حَدِّهَا أَيْضًا فِيمَا يَدْفَعَ الْمَرْءُ لنكران صُفُوِّ أَيِّ شَيْءٍ يَفْعَلُهُ وسيتوقف لَا مَحَالَةَ فِي وَقْتِ مَا بِسَبَب الشُّعُورِ بِالإِحْبَاطِ لأسفه عَلَى فَسَادِ سَرِيرَتُه رَغِم أَنَّهُ قَدْ يَصل بِالْفِعْلِ فِي مَرْحَلَةٍ مِن المراحل لِصَفَاء النِّيَّة لِلَّهِ تَعَالَى وَيُتَقَبَّل عَمَله.

 

وَلَيْسَ مَعْنَى مَا سَبَقَ أَنَّ نتجاهل مميزات غَيْرِنَا تَمَامًا بَلْ بِالْعَكْسِ فَإِنَّنَا بطبيعتنا الْبَشَرِيَّة نَحْتَاجُ إلَى مَنْ يُذَكِّرُنَا بِالنِّعَم الذَّاتِيَّة الَّتِي رَزَقْنَا اللَّه بِهَا مِنْ وَقْتِ لآخَرَ حَتَّى نستعيد شغفنا وحماسنا وَقُدْرَتَنَا عَلَى الِاسْتِمْرَارِ. لَكِنْ يَجِبُ وَضْعُ ذَلِكَ الْوَصْفِ فِي الإطَار الَّذِي لَا يُخرِج صاحبَ الصِّفَاتِ الْحَمِيدَةِ عَنْ الطَّرِيقِ السَّوِيِّ وَحَتّى لَا تُزْرَعُ فِيه بُذورُ الْكِبْرُ وَالْغُرُورُ.

فكمْ نَرَى فِي حَيَاتِنَا مَنْ خَرَجَ عَنْ الطَّرِيقِ السَّوِيُّ تَحْت سُكْرِةِ سُمِّ حُبِّ الشُّهْرَةِ وَحُبِّ الظُّهُورِ وَاللَّذَّةِ بالتفافِ النَّاسِ حَوْلِه. ونرى أيضًا الَّذِي فَقَدَ كُلّ هَدَف لَهُ فِي الْحَيَاةِ وَتَفْرَّغ لِمَا سيجعله يَحْظَى بِالْمَجْد الزَّائِف مِن تَمَلَّق النَّاسِ لَهُ وَإِعْجابِهِم بِه. وكمْ نَرَى مِنْ تَحَوَّلَتْ نِيَّتُهُ مِنْ حُبِّ الْخَيْرِ لِلنَّاسِ طَمَعًا فِي إرْضَاء اللَّهُ إلَى التلذذ باحتياجهم له.

 

فتنُ الْحَيَاةِ كَثِيرَةٌ وَلَكِن.

هَلْ فِي إخْفَاءِ عيوبنا فِي أَثْنَاءِ محاولة إصْلَاحِ ذاتنا نِفَاقًا؟ مَعَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْنَا تَعَمُّد إظْهَار سوادنا حَتَّى لَا نعاقب بِذَنْب الْمُجَاهَرَة؟
وقَد نقتنع لَاحِقًا أَنَّ بِنَا الكثيرَ من المميزاتِ وَبِنا الْقَلِيل مِنْ الْعُيُوبِ حَقًّا كَمَا يَظُنّ النّاسَ؟
أَلَيْس حُسْن ظَنِّ النَّاسِ بنا وَحْدَهُ كَفِيلًا بِأَن يُعَاقِب الْإِنْسَانُ نَفْسَهُ مِرَارًا وتكرارًا عَلَى السَّوَادِ الْمَوْجُودِ فِيهِ. ذَلِكَ السّوَادُ الْخَفِيُّ عَنْ أَعْيُنِهِمْ؟
وَلَكِن أَلَّا يُعَدَّ ذَلِكَ فِتْنَةٌ أَيْضًا؟؟
فَعِنْدَهَا قَدْ يعْمَلُ الْإِنْسَان فَقَطْ لِإِرْضَاء مَا يَرَاهُ النَّاسُ خَيْرًا وَبِذَلِك سيبتعد عَنْ طَرِيقِ اللَّهِ فِعْلًا!!


اللَّهُمَّ اهْدِنَا لِلْخَيْر


To Top