والله. لقد مللتُ زيفَ الحياةِ وزيفَ النفوسِ
وزيفَ المظاهرِ. مللتُ محاولةَ الابتسامِ حتى لا أحرجُ من حولي حين أرى الصدأَ في
صدورهم. تفشل محاولاتي -في أغلب الأحيان- لإظهار ابتسامة زائفة فذلك يخالفُ
طبيعتي. مللتُ محاولةَ إثبات الناسِ أنهم الأفضل. مللت محاولاتهم ليثبتوا أنهم
مركز الكون. أكاد أقسم لهم أنني لا أهتم لذلك ولا يهمني أن أثبت عكس ذلك. فقط دعني
وشأني وتوقف عن تلك المظاهر الكاذبة لإخفاء ضعفك وشعورك الحقيقي تجاه ذاتك.
ما أجملَ العزلةَ عن تلكَ المؤثراتِ بما يفيد، أو
حتى ما قد لا يفيدُ بالشكلِ المطلوبِ؛ طالما أن تلك النشاطات تنأى بالنفس عن تلكَ
المشاعرَ القذرةِ. إن العزلة عن المجتمعاتِ التي اصيبت بتلك الامراض أجدى بمئاتِ
المرات من بعض الفائدة التي قد تتحقق منها. فالتلوث بها يحدث خفيًا تدريجيًا تحت
غطاءَ الانبهارِ بالمجهولِ. وفى الغالب لن تعلم وقتئذٍ أنك مصاب.
ستصاب مثلهم بحب التنافسِ الهلاميِّ حول مشاعرَ
داخليةٍ لا طائل منها سوى سد الفراغات النفسية المتراكمة، أو استبدال بعض
التعقيدات بأخرى تخفف وطءَ شعورِك الداخليّ بكره الذات والنقص. تتمحور أنشطة تلك
النفوس حول محاولة الشعور بالتفرد عن الغير كالتقليل من شأنهم وبالتكاثر عنهم
بالمظاهر الكاذبة، أو استغلال العقول البسيطة سهلة الانبهار لإقناعهم بدونيتهم ليعلوا
من قيمتم الزائفة. بل وستظن ان العالم كله ينافسك على ذلك، وستظل تحاول بكل جهد لك
لإثبات دونيتهم عنك.
كلنا بشرٌ وكلنا نحمل بعضًا من تلك الأمراضِ في
طيات نفوسنا. الرحمةُ من الله لمن يدرك ما يحمل منها ويتجنبها أو يعالج نفسه
ويطورها. إن أصعب مرحلة في العلاج تكمن في استكشاف الذات وإقناعها بمشاكلها
الرئيسية ومن ثم علاجها. وعندئذ يكون العلاج أسهل وأقيم وأكثر فاعليةٍ.
لكن في ظل ذلك كله. سأحاول ألا أبتسم زيفًا أبدًا.
لكن اعلم حق العلمِ إنني طالما ابتسمت لك، فإنها صادقة خالصة من قلبي؛ هذا إن استمرت
بضع ثوان طبعًا. فيما عدا ذلك فإنها ابتسامات عابرة لا تحمل في طياتها سوى الشفقة.
لا يبقى سوى أن نرجو الله أن يهدي نفوسنا ويرزقنا
حسن النوايا ويصفيها مما قد يشوبها دون أن نشعر. ونظن أن ما نفعل لله، وهو ليس
كذلك. وهذا ما لن نستطيع تحملَه يوم أن نلقاه -عز وجل- وقد أصبحت أعمالنُا كالعِهْنِ
المنفوشِ بعد إذ كنا نظنها جبالًا من الخير.
____________________
مصدر الصورة: Pinterest