عبراتٌ تائهة

 



تَشتَد اَلهُموم والْمسْؤوليَّات على عَاتقِنا ولَا نَجِدُ مفرًّا سِوى أن نَنفَرِد بِأنْفسنَا. فبعْض اَلهُموم لَا يُزيلهَا ضَحِك ولَا لَعِب ولَا مُحَاولَة التَّناسي. لَكِنهَا تُؤرِّق لَيْلنَا يوْمًا بَعْد يَوْم مع اِزدِياد الحمْل وتراكم اَلهُموم عليْه تِباعًا. فِي ذَلِك الوقْتِ تَنفَرِد كُلَّ تِلْك المشاعر بِالنَّفْس والْعَقْل ولَا نَجِد سِوى العبرات حَتَّى نَنفُّس عَمَّا نَحبِس دَاخلِنا مِن حَمْل. يَتَأتَّى ذَلِك بَعْد اَلكثِير مِن عدم الفضْفضة وتزايد الضَّغْط والْقَلق.

 

إِنَّ بَعْض العبرات - رَغْم خِفَّة وزْنهَا - تَزِن مِئَات الأطْنان فِي مِيزَان المشاعر لِمَا تَحمِل فِي طَياتِها مِن اِضطِراب..

 

يُكَابِر البعْض ويمْنع دُمُوعَه بِالرَّغْم مِن وَحدَتِه وَسكُون اللَّيْل. رَغْم أَنَّه يَعرِف أَنَّه لَا أحد سِوى اَللَّه يَرَاه، لَكنَّه يُكَابِر. قد يَكُون خجلا مِن نَفسِه أو قد لَا يُريد أن يَعتَرِف بِضعْفه. لَكنَّه مَا أن يَتَقبَّل كُلُّ تِلْك الحقائق، وتراوده آية مَا فِي سُورَة قد قرأهَا آلاف المرَّات، إِلَّا أَنَّه شعر فجأةً أنَّ لَهَا مِن المعاني مَا لَم يَلحَظ مِن قِبل. يَستسْلِم فِي تِلْك الحالة ويتْرك عَينَه تُفْرِغ مَا فِي رُوحه مِن اِضطِراب.

 

لَكِن.. يَبرُز السُّؤَال الأهمُّ؛ أتلْك الدُّموع صَافِية خَالِصة لِلَّه؟ هل وصل لِحالة اَلخُشوع اللَّازمة لِيذْرف دمْعًا لِلَّه؟ أم أَنهَا مُجرَّد تَنفِيسٌ عَمَّا يَحمِل مِن هُمُوم! يَشتَرِك فِي الحالتيْنِ أنَّ إِيمانَه وَيَقينَه بِاللَّه يعمَّان رُوحُه، فهل تِلْك الدُّموع خَوْف مِمَّا لَا يَعلَم أُمَّ اِسْتسْلام؟ هل تَستَحِق حقًّا أن يتقبَّلهَا اَللَّه كَدمُوع خَشيَة؟! أُمٌّ أنَّ تِلْك الدُّموع لَا تُذرَف إِلَّا مِن رُوح صَافِية لَا يشوبهَا ذَنْب؟!

 

يَبكِي غَيْرُ اَلمؤْمِن أيْضًا إِذَا اشتد بِه اَلهَم، لَكِن هل اَلبُكاء هُنَا تَنفِيسٌ عن ضَغْط؟ أُمٌّ لِأَنه يَظُن أَنَّه فِي وَحدَتِه لَا يَرَاه أحد ولَا يَعلَم أحدٌ بِحاله! أُمِّ الاثْنيْنِ؟ هل الإيمان وَحدَه كافٍ حَتَّى تَرتَقِي تِلْك الدَّمْعة مِن حقيقتهَا المادِّيَّة المجرَّدة إِلى مَعنَا أَسمَى مِن ذَلِك!

 

أم أنَّ تِلْك الدُّموع هِي مُجرَّد خَوْف مِن آمال مُسْتقْبليَّة قد لَا تَتَحقَّق! خَوْف مِن مُسْتقْبَل غَامِض لَا مَعالِم لَه! خَوْف مِن الفشل! خَوْف مِن المجْهول!

 

لَا أَعلَم..

__________________________________________

مصدر الصورة: ArtStation - Crying Statue

To Top