يُضَايِقُنِي تَعْقِيدُ عَلَاَّقَةِ الإِنْسَانِ بِمَنْ حَوْلَهُ
وَعَلَاَّقَتَهُ بنَفْسِهُ. وَكَمِ الاِخْتِلَاَفِ الرَّهيبِ بَيْنَ
التجربتين الشُّعُورِيَّتَيْنِ وَتَأْثِيرِهِمَا عَلَى كِيَانِ الفَرْدِ مَنًّا. فَلَا
مَفَرٌّ مِنْ حَاجَةِ الإنسانِ لِغَيَّرِه. إنّنَا لَمْ
نَخْلُقْ لِنُكَوِّنُ افرادًا يَنْعَزِلُ كُلُّ مَنًّا عَنِ الآخر. فَفِي نَفْسِ
الوَقْتِ الَّذِي يَحْتَاجُ كُلُّ فَردٌ مِنًّا أنَّ يَجِدَ العَوْنَ وَالاِهْتِمَامَ
بِهِ فَمِنِ الوَاجِبِ عَلَيْهِ أيضا تَقْديمَ المُسَاعَدَةِ. وَمِنْ هُنَا
تَظْهَرُ الرَّوَابِطُ الأَقْوَى فِي التَّعَامُلَاتِ الشَّخْصِيَّةِ وَهَى
مَبْدَأُ الاِحْتِيَاجِ وَسَدِّ الاِحْتِيَاجِ.
لِلأَسَفِ قَدِ اِنْحَصَرَ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ مَفْهُومُ الاِحْتِيَاجِ على أنه الاِحْتِيَاجِ المَادِّيِّ فَقَطْ.
بِالرَّغْمِ مِنَ النَّقْصِ الشَّدِيدِ فِي أرواحنا وَكَمِ الفَجْوَاتِ الفَارِغَةِ فِيهَا.
وَبِالرَّغْمِ أيضا مِنَ العَجْزِ الرَّهيبِ فِي خَبَرَاتِنَا الشُّعُورِيَّةِ الًا انّنَا فِي حِينَ اِحْتِيَاجِنَا لِغَيْرِنَا فِي سَدِّ ذَلِكَ النَّقْصِ فَإِنَّنَا نَنْسَى أو نَتَنَاسَى أو نَتَكَاسَلُ عَنْ مُحَاوَلَةِ سَدِّ ذَلِكَ الاِحْتِيَاجِ المَوجُودِ عِنْدَهُمْ
قَدْ يَكُونُ مِنْ أَسْبَابِ ذَلِكَ هُوَ ذَلِكَ النَّقْصُ الْمَوْجُودُ
لَدَى كُلٍّ مِنَّا بِالْفِعْلِ وَأنْ كُلًّا مِنَّا يَخَافُ أَنَّهُ فِي حَالِ
محاولته سَدُّ تِلْكَ الفجوات عِنْدَ غَيْرِهِ ظَنّ الْآخَرُون أَنَّهُ دُونِ فجواتٍ
فينسون مُرَاعَاتَه. وَالْحَقِيقَةُ أَنَّ ذَلِكَ حَقِيقِيٌّ جِدًّا. فَفِي أَشَدّ
الْأَوْقَاتِ الَّتِي يَحْتَاجُ الْفَرْد مِنَّا أَشَدّ الْمُقَرَّبِينَ إِلَيْهِ
فِي بَعْضِ الْمَوَاقِف قَدْ لَا يَجِدُ رُوحَهُم أَو شُعُورُهُم مَعَه رَغِم
احْتِمَالٌ تواجدهم المادي فِي تِلْكَ الْأَثْنَاء.
فِي مُحَاوَلَةِ سَدّ ذَلِكَ النَّقْصَ الذَّاتِيّ تَظْهَرُ أَشَدُّ
الْعُيُوبِ والمميزات الشَّخْصِيَّة وَاَلَّتِي تَحَدُّد سِمَاتَ رُوحِه وانطباعها
لَدَى الْآخَرِين. فَأَكْثَرَ النَّاسِ شُعُورًا بِنَقْص الْقِيمَة الذَّاتِيَّة
هُمْ أَشَدُّ النَّاسِ تَفَاخُرًا بإنجازاتهم، أَشَدُّ النَّاسِ كَآبَةً فِي وَحِدتِهم
قَد تَجِدُهُم أَكْثَر الناس ضَحِكًا مع غيرهم. وفِي الْمُقَابِلِ قَد تَجِد أنَّ
أَشَدَّ النَّاسِ احْتِيَاجًا لِسَدّ فجواته النَّفْسِيَّة مِنَ التِّيهِ أَو
الْحِيرَة هُمْ أَشَدُّ النَّاسِ تواجدًا لِمُسَاعَدةِ غَيْرِهِم وَسَدّ
احتياجاتهم.
لَلْأَسَف الشَّدِيد وَبِالرَّغْم مِنْ كَثْرَةِ التَّوَاصُل بَيْنَنَا
وتوافرِ جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْأَدَوَاتِ الَّتِي تُسَاهِمُ فِي تَوَاصُلِنَا.
إلَّا أَنَّنا نَفْتَقِرُ جِدًّا إلَى التَّوَاصُلِ الرُّوحِيِّ بَيْنَنَا. لَقَد
فَقَدْنَا الْقُدْرَةَ عَلَى الْإِحْسَاسِ بِغَيْرِنَا أَو مراعاتهم. فَقَدْنَا
أَهَمّ مَشَاعِرَ العَلاَقَاتِ الْإِنْسَانِيَّة الْعَمِيقَة وَهِي الِاحْتِوَاء.
فَعِنْدَمَا يفْقدُ الْوَالِدَان وَالْأَبْنَاء أَو الزَّوْجَان ذَلِك
الشُّعُور تَحْدُث الْغُرْبَة. وَفِي فَقد الِاحْتِوَاءِ بَيْنَ الأَصْدِقَاءِ
الْمُقَرَّبِين تَحْدُث الْفُرْقَة. لَكِن أَخْطَرَ أَنْوَاعِ فَقَد الِاحْتِوَاء يتحققُ
في فَقْدِ الِاحْتِوَاء الذَّاتِيِّ. فَنصبح غُرَبَاءً عَن أَنْفُسِنَا، ولَا
نَدْرِي مَاذَا نُرِيد. وَلَا نَدْرِي مَا الَّذِي نُحَاوِلُ الْوُصُولَ إلَيْهِ. فنَجِد
أَنْفُسَنَا فِي دَوَامَةٍ كَبِيرَةٍ جِدًّا مِنْ مَجْمُوعَةٍ مُعَقَّدَةٍ مِن التروس
الَّتِي تُدِيرُ بَعْضَهَا الْبَعْضِ دُون إِتَاحَةٌ فُرْصَةٍ لِلتَّوَقُّفِ
بُرْهَة للمراجعة.
لِمَاذَا نَحْن هُنَا؟ وَمَاذَا نَفْعَلُ بِالتَّحْدِيدِ؟ وَمَاذَا سنفعل
مُسْتَقْبِلًا؟ وَالْأَهَمّ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ،
لِمَاذَا!!
لِمَاذَا نَفْعَلُ ذَلِكَ كُلِّهِ!! وَهَلْ يَسْتَحِقُّ كُلَّ ذَلِكَ
الْعَنَاء!!
بِدَايَةً مَنْ الْإِجَابَةِ عَلَى تِلْكَ الْأَسْئِلَةِ وَمُحَاوَلَةِ
الْوُصُولِ لِلسَّلَامِ الذَّاتِيّ تبدأُ الفجواتُ بالتناقصِ تَدْرِيجِيّا
وَيَحِلّ مَحَلِّهَا مَشَاعِرُ وَأَهْدَافٌ أَكْثَر قِيمَةً لِلْفَرْدِ ذَاتِه
وَلِغَيْرِه.
عَسَى أَنْ يهْدِيَنَا اللَّهُ لما يحبُّ ويرضى..
مصدر الصورة: Pinterest