من المتعارف بيننا أن السلمَ خيرٌ، وأن
الحربَ شرٌّ، أن الصدقَ جيدٌ، وأن الكذبَ سيءٌ. لكن الحياة ليست كلها أبيضٌ
وأسودُ. نستطيع بقليلٍ من العقلِ أن نميزَ بين المعايير. لكن ماذا عن تلك التي لا
تندرجُ بشكلٍ مباشرٍ تحت أيٍّ من الخيارين! تلك المعايير التي ليس لها طبيعة واضحة
في الدينِ أو الحياة.
صعوبةُ تصنيفُ تلك المعايير وإدراكها يعتمدُ
بشكلٍ كبيرٍ على مرجعيتِنا، فكرِنا، حياتِنا، خبراتِنا والأهم من ذلك كله هو
الموقفُ الذي يتطلب فيه للفرد منا الاختيار؛ ما بين إدراج تلك المعايير العائمة
إلى أحد الجانبين. إما للخير وإما للشر. عندها يجب علينا مراجعةَ النفسِ ومقارنةَ
مواقفَنا داخلَ تلك المشكلات وخارجِها.
لكن الأصعب من ذلك كله هو الحكمُ على الآخرين
والثقةُ فيهم في تلك الافعال العائمة، تلك التي تحمل في طيّاتها جميعَ الاحتمالات
من الخيرِ والشرِ. تلك التي نبني تصرفاتنا وردودَ أفعالنا عليها. قد نتقبل شخصًا
يتحدث وننصت إليه، ونرى آخرين قد يكونوا أعلمَ منه لكننا نظن في داخلنا أنهم
يفعلون ذلك مراءً وتطلعًا لنظرات الإعجاب من الآخرين. نعم.. ليس لنا الحق في أن
نحكم على الاخرين، لكن تلك الانطباعات تتحدد علاقاتنا بغيرنا بغير تدخلٍ واعٍ منّا.
يقول ابن القيم -رحمه الله-: "والله إن
العبدَ ليصعبُ عليهِ معرفة نيته في عملِه، فكيف يتسلطُ على نياتِ الخلق".
حسنًا.. ذلك حقٌ، لكننا لا نملك التحكم في مشاعرنا تجاهِ الآخرين فيما نشعر. لا
نستطيع بشكلٍ كاملٍ تحديدَ الأسبابِ الرئيسيةِ لذلك، قد تكون لخبراتٍ أو مواقفَ أو
مجرد لعدمِ التوافق بيننا.
وحتى في أشد اللحظات رغبة في فعلِ الخير يظهر ذلك
السؤال الذي لا يستطيع أحدٌ تحديد إجابةً واضحةً عليه وهو: هل أفعل ذلك حقا لله؟
أم أن لي أغراضًا أخرى؟
لأنه ستكون في جميع الأحوال هنالك جوانب أخرى لنياتنا تجاه الأفعال، فقد أفعل
الخيرَ وفى داخلي أيضًا أتمنى أن أستفيد من الموقف بشكل ما. هل يتعارض ذلك مع
النية لله؟
هل تستطيع طبيعتُنا البشريةِ أن تنتجَ مشاعرَ صافيةً خالصةً لله؟
إجابتي هي لا.. لا يستطيع عموم البشر فعل ذلك عدا
الرسل والأنبياء ومن بارك لهم الله في أسرارهم.. لكن هنالك معايير أخرى قد تفيدنا
في بناءِ صورةٍ أفضلَ في تلك اللحظاتِ التي تودُّ فيها فعلَ الخيرِ لوجه الله
تعالى ومراجعة ذاتك كاختبارٍ لصدقِ نيّتك وهى:
-
لماذا اخترتَ فعل الخير؟
-
لماذا اخترتَ ذلك العمل دون سواه؟
-
هل فكرتَ في مصالحك الذاتية قبل أم بعد اتخاذك لقرارِ المشاركةِ فيه؟
-
هل وجود أشخاصٍ محددين يرتبطُ ببقائِك في هذا العمل؟ وما طبيعة علاقتك
بهؤلاء؟
-
هل نجاح أشخاصٍ آخرينَ في نفس العملِ يثيرُ فيك أي مشاعرَ من الحسدِ
أو الضيقِ؟ أم السرور؟ أم لا يهم؟
-
هل تنتظر نجاحًا خاصٍا لك؟ ما طبيعة ذلك النجاح؟ أم أنك تفعل ذلك دون الاهتمام
بالنتائج؟
-
ما نوع النجاح المنتظر؟ نجاحٌ ذاتي لك؟ أم للآخرين؟
عسى أن يرزقنا الله الهداية..
____________________
مصدر الصورة: Footnotes2plato