نعرفُ
قيمةُ الأشياءِ عندما نفقدها، ونعرفُ قيمةَ الحِكَمِ عندما نَعيش معانيها، أتذكرُ
منذُ الصغرِ في كتابِ الخطِ العربيِّ في المدرسةِ حينما قرأتُ لأولِ مرةٍ الحكمةَ
القائلة "الصحةُ تاجٌ على رؤوسِ الأصحاءِ، لا يراهُ إلا المرضى" فسألتُ
أبي عنْ معناها لعجز عقلي البسيطِ عنْ فهمِ ذلكَ التشبيهِ الجماليِ وقدْ شرحها
بأسلوبهِ الدافئ دومًا في إيصالِ المعلوماتِ، وارتبطتْ حينئذٍ بي.
كنتَ
أشعرُ بها في بعضِ المراتِ التي أسقطُ على الأرضِ، وأصابُ بجرحٍ مؤلمٍ، أوْ أصابُ
بألمٍ في جسدي. فكنتُ أتأملُ تلكَ التيجانِ المخفيةِ التي لا يراها سوى المصابِ.
وأتعجبُ منْ قدْرِ بلاغةِ تلك الحكمةِ.
وتعلمتُ
مع بعضِ النضجِ مفهومَ الحسدِ، فتعلمتُ في داخليٍ ألّا
أنظرَ إلى تلكَ التيجانِ بعينٍ حاسدةٍ ولو دون قصدٍ؛ بلْ بعينٍ تملؤها سعادةً
للغيرِ لعدمِ شعورهِم بالألمِ، آملاً اللهَ أنْ أعودَ إلى صحتي مرةً أخرى.
لمْ
أكنْ أفهمُ في الصغرِ معانٍ كثيرةٍ مثل الصداعِ والآلامِ التي تزيدُ مدتها عنْ
ليلةٍ واحدةٍ، تلكَ التي يعاني منها الكبارُ. فكنا نؤمنُ حقًا أنهُ بمجردِ نومنا
يحدثُ سحر داخليٍ يقضي على الألمِ، وكأنما نعدّ جسدنا كساحةٍ للمعركةِ بينَ الجسدِ
والألمِ حتى يتخلصَ منهُ، ونستيقظُ صباحَ اليومِ التالي منتصرينَ، وكانَ يحدثُ
ذلكَ بالفعلِ، إلا في حالاتِ البردِ العنيدِ الذي يستمرُ بضعةَ أيامٍ.
بدأتْ
تزولُ تلكَ الآمالِ تدريجيا كلما كبرنا في العمرِ، وأدركنا أنهُ يوجدُ ما يسمى
بالصداعِ، ذلكَ الألمِ العجيبِ داخلَ الرأسِ، وآلام أخرى تحتاجُ لأيامٍ حتى تزولَ،
لكنهُ معَ ذلكَ زادَ عندي قدرُ الألمِ النفسيِ تجاهَ أولئكْ الذينَ يظلونَ
يتألمونَ لفتراتٍ طويلةٍ، وزادَ الألمُ أكثرَ عندما ادركتُ أنَ هنالكَ أمراضٌ
مزمنةٌ تستمرُ طوالَ الحياةِ.
في
ظلِ سباقِ الحياةِ نسعى لمكانةِ أفضلَ ونجاحٍ دائمٍ، لكننا نتناسى حقَّ جسدِنا
علينا في الراحةِ والترفيهِ فنصابَ بأمراضِ أكثرَ. وكأننا نسعى لنكونَ في مستوً معيشيٍ
أفضل حتى يتسنى لنا القدرةُ على شراءِ العلاجِ للأمراضِ التي أصابتنا أثناءَ سعينا
ذلكَ. ونظلُّ ندورُ في تلكَ الدوائرِ ما حيينا.
عسى
اللهُ أنْ يخففَ آلامَ الجميعِ.
____________________
مصدر الصورة: Aliexpress