شوائب

 


يخفِقُ صَدْرُنا كلَّما تأمَّلنا حَالَنا فِي الدُّنيا وحال عِبادتِنا للهِ. فتَقْصيرُنا وتشتُّتُنا عن دينِنا يكفيان لأن يُلقى بِنا فِي أودِيَةِ جهَنَّم حتى نقضىَ ما قصَّرنا. فلا نحنُ بحافظين لكتابِ اللهِ، ولا نحنُ على دراية بسنةِ نبيِّنا، ولا نسعَى بينَ ذلكَ بشكلٍ يُذكَرُ في موازينَ السابقين من المؤمنين.


ليس فقط التقصيرِ في حقِّ اللهِ هو الذي يُلقى في قُلوبِنا الرُّعبِ؛ ولكن أيضًا الخوفَ مِنَ أنْ يدخُلَ في طاعتِنا القليلةَ تلك سُبلٌ من الرياءِ؛ رياءٌ تَذهبُ ريحُه بأعمالِنا كما تذرو الريحُ الرمادَ.


فنقعُ في حيرةٍ بين الخوفِ من التقصيرِ، وبين تركِ ما نخشَى أن يختلطَ به رياءٌ. فنخافُ أن نكونَ منَ "الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ" أو "مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآَيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا". وهنا يُفتحُ بابًا للشيطانِ فيتربعُ في نفوسِنا، ويتلاعبُ بنا.


ونجدُ ذواتَنا بين كفَّى الرَّحى؛ ليس فقط أثناء العباداتِ، ولكن أيضًا عندَ محاولةِ نشرِها وحثّ غيرِنا على أن يتذكروها. فكم من فضيلةٍ تعلمناها لما اشرأبَّت أعناقُنا لمؤمنٍ يفعلُها وتساءلنا لماذا لا نفعلُ ذلك ونأخذُ أجرَها مثله! فأعتدناها.


فيقعُ هنا التساؤلُ كلما أردنا تأديةَ تلك العباداتِ. أيجبُ أن نُظهرَها حتى نَنشرَ الخيرَ ونشجِّعَ غيرَنا؟ أم نخفيَها حتى لا يتسربَ إلى نفوسِنا الرياءُ؟


لكننا نجدُ ما يُدخِلُ بعضَ الطمأنينةِ في قلوبِنا، فإدراكنا أنَّ تركَ العملِ مخافةَ الرياءِ فهو في حدِّ ذاتِه رياءٌ يخففُ وطأةَ القلقِ، بل أنَّ جزءًا من سعيِنا في الدنيا يكون في تطويعِ أنفسَنا حتى تتخلصَ من الشوائبِ التي تترسبُ كلَّ حينٍ على طاعاتِنا.


فلتهدأي يا نفسُ قليلًا وابذُلي ما في وُسعِك..

وإن لم ننجحُ كلَّ النجاحِ..

فعسى أن يُفتح بابًا من السعي يَكُن لنا شفيعًا عندَ اللهِ يومَ الحسابِ.

 


To Top