أتعجبُ من أولئك الذين لا تتجدّدُ أحلامُهم مع
مرورِ الأيام. كم أشعرُ بالأسى على الذين يسعوْن وراء مشاعرَ طفوليةٍ بالتفوقِ
والتنافسِ الدائم، ومحاولة دحضِ إنجازات الغيرِ وكأنهم لا يزالون في الصف الأولِ
الابتدائي.
كلما ينضجُ الانسانُ يصبحُ قادرًا على أن يكترثَ
أكثرَ بالسلامِ الداخليِّ والطمأنينة. وكلما مر به العمرُ يصبحُ غيرَ قادرٍ على
الدخول في جدالاتٍ فارغةٍ أو مهاتراتٍ بلا هدف.
لكننا في ذلك كله نواجهُ ذوي النفوسِ المريضةِ
وأصحاب القلوبِ الحالكةِ السوادِ. إنهم يعكِّرون علينا صفوَ الحياةِ، ويقفون
بالمرصادِ لمسعانا للهدوء.
أعجزُ عن وصفِ مشاعري تجاههم، فهي خليطٌ بين
النفورِ منهم والشعورِ بالأسى عليهم. فكم أكرهُ رائحةَ الحقدِ والكرهِ والتنافسِ
غير الشريف، وكم أشعرُ بالأسى عليهم للظروفِ التي أدت لخفوتِ الضوءِ في قلوبِهم؛
فقد حلَّ مكانَه سوادٌ حالكٌ ذو رائحةٍ عفنةٍ.
لكنني أشعرُ حقًا بالأسى على أنهم لا يدركون ذلك،
إنهم يستلذون باللحظاتِ القليلةِ من الانتصار الكاذبِ، والمديحِ الفارغِ،
والتنافسِ الواهي. كيف لشخصٍ عاقلٍ ذي قلبٍ سليمٍ أن يضحىَ بكلِّ مبادئِ
الإنسانيةِ كي يحظوَ بمشاعرَ سطحيةٍ! بمشاعرَ كاذبةٍ! بمشاعرَ أنانيةٍ!
لا يفهمُ معظمُ الناسُ الشعورَ الجمعيَّ
بالسعادةِ. ذلك الشعورُ الذي يشعرُ فيه الأفرادُ أنهم جميعًا بخير، وأنهم في
تناغمٍ، وأنه لا حاجةَ لشعورِ الغير بالخزيِ أو الألمِ كي يشعرَ آخرون بلذة
الانتصار. فليس لذلك الشعور معنى ولا شرف.
إن الانتصارَ الحقيقيَ انتصار الشخصِ على نفسِه،
انتصار الشخصِ على شرورِ العالمِ وجعل نفسِه وغيرِهِ في صورةٍ أسمى.
لكنه حتى تسمو ذواتُ غيرنِا وذواتُنا، سنظلُّ
نحاولَ أن ننتزعَ المشاعرَ الطيبةَ والتقديرَ والانتصار... بما لا يَمَسُّ الغيرَ..
عسى أن يهدينا الله لما يحبُّ ويرضى.
____________________
مصدر الصورة: Unsplash