أحدُ أشد المواجهاتِ التي يتجنبها الفردُ دائمًا هيَ مواجهتُهُ لذاتهِ.
فحينَ ينفردُ المرءُ بنفسهِ بعيدًا عن اضطرابِ العالمِ حوله تخلو بهِ الحقائقُ
المجردةُ دونَ تزييفٍ أوْ تبديلٍ. ويا لها منْ دمعةٍ تُذرَفُ في جوفِ الليلِ تحملُ
في طياتها ما يكتمُ المرءُ في نفسهِ أطنانًا منْ المشاعرِ المتراكمةِ.
يجبَ أنْ يصدِّقَ المرءُ ما تمليهِ عليهِ نفسُهُ في تلكَ الأوقاتِ الثمينةِ،
تلكَ الأوقاتِ التي يمتلئُ جوفُهُ ضبابًا ثقيلًا يعكسُ الفجوةَ ما بينَ الحقيقةِ
وسرابِ عقلهِ التائهِ.
وحتى يصدُقَ المرءُ في ذلكَ فعليهِ أنْ يتركَ نفسهُ تُخرجُ ما في جُعبتِها
منْ سوادٍ؛ تلكَ النقاطِ التي يتوقفُ تفكيرنا عندها ونفرُّ منها فرارَ الفأرِ إلى
جحرهِ. لا نريدُ مواجهةَ ما سيخرجُ وقتها كالعجوزِ التي لا تريدُ أنْ تنظرَ إلى
المرأةِ.
ليسَ ذلكَ فقطْ،
فحتى الذي يواجِهُ نفسَهُ، ما أنْ تنبسَ ذاتُهُ بذكرِ أخطائهِ حتى يحجِّمها
بالحججِ فائقة الصياغةِ؛ فلا الخطأَ خطأَهُ ولا الذنبَ ذنبَهُ.. إنهُ ذنبُ
المجتمعِ.. ذنبُ الأهلِ.. ذنبُ الظروفِ.
لنْ يتحسنَ حالُ المرءِ ما دامَ باقيًا في فرارهِ ذاكَ.
ليسَ هنالكَ أملٌ طالما لمْ يجلِدْ المرءُ ذاتَهُ وتجلده ذاتُه جلدًا يصبحُ
مستشعرًا أثره على ظهرهِ حينَ يصبحُ، ويبللُ فراشُهُ الدمعُ حينَ يمسي.
فمنْ منا لا يسيءُ..
منْ منا لا يقصِّرُ..
منْ منا لا يختالُ..
اللهمَ آتٍ نفوسنا تقواها..
وزكها أنتَ خيرُ منْ زكاها..
أنتَ وليُّها ومولاها.
__________________
مصدر الصورة: Confusion is Clarity